الحجم الحقيقي لأفريقيا.. خريطة مضلِّلة عمرها قرون
- khaled A.
- 20 سبتمبر
- 3 دقيقة قراءة

منذ أن رسم الجغرافي الفلمنكي جيراردوس مركاتور خريطته الشهيرة عام 1569، أصبح شكل العالم كما نعرفه اليوم مألوفًا في الكتب والمناهج الدراسية وشاشات الحواسيب. غير أن هذه الخريطة، التي اعتمدها العالم لقرون طويلة، لم تكن بريئة من الأخطاء و لم تظهر الحجم الحقيقي لافريقيا. بل إنها أعادت تشكيل وعينا الجغرافي والسياسي، فقلّصت من حجم بعض القارات، على رأسها أفريقيا، وأضفت هالة تضخيم على مناطق أخرى مثل أوروبا وأمريكا الشمالية.
هذا التشويه البصري لم يكن مجرد خطأ تقني عابر، بل كان له أثر عميق في الوعي الجمعي، وفي رسم صورة غير دقيقة لمكانة أفريقيا وحجمها الحقيقي في العالم.
أصل الخريطة المضلِّلة
ابتكر مركاتور خريطته لتلبية حاجة البحّارة في عصر الاكتشافات الكبرى. فقد كان إسقاطه يعتمد على تحويل الأرض الكروية إلى سطح مستوٍ يسهّل الملاحة، ويجعل خطوط الطول والعرض مستقيمة ومفيدة لرسم مسارات السفر. لكن هذا الإسقاط الجغرافي جاء على حساب دقة الأحجام والمساحات.
فالخريطة ضاعفت حجم مناطق القطبين والشمال، فجعلت غرينلاند مثلاً تبدو بحجم أفريقيا تقريبًا، بينما في الحقيقة لا تتجاوز مساحتها جزءًا صغيرًا منها. أما أفريقيا، فقد ظهرت مصغّرة بشكل يقلل من مكانتها، رغم أنها ثاني أكبر قارة على وجه الأرض.
أفريقيا العملاقة.. حقائق بالأرقام
المساحة الحقيقية للقارة الأفريقية تبلغ نحو 30.2 مليون كيلومتر مربع، وهي بذلك تفوق ما يتخيله معظم الناس. ولو أردنا المقارنة، فإن أفريقيا قادرة على استيعاب:
الولايات المتحدة الأمريكية.
الصين.
الهند.
اليابان.
معظم دول أوروبا مجتمعة.
ورغم هذا الحجم الهائل، فإن الخريطة المركاتورية رسخت لقرون فكرة أن أفريقيا ليست أكبر بكثير من أوروبا.
الأبعاد السياسية والثقافية للتشويه
لا يمكن النظر إلى هذا الخطأ الجغرافي بمعزل عن السياق التاريخي. فالعصور التي شاع فيها استخدام خريطة مركاتور كانت أيضًا مرحلة الاستعمار الأوروبي للقارة الأفريقية. وهنا يبرز السؤال: هل ساهم هذا التصوير المصغّر لأفريقيا في تعزيز شعور تفوق القوى الاستعمارية وتقليل من شأن الشعوب الأفريقية؟
يرى بعض الباحثين أن هذا الانحياز البصري لم يكن مجرد صدفة، بل عزز فكرة "المركزية الأوروبية"، حيث ظهرت أوروبا في قلب الخريطة أكبر وأهم مما هي عليه فعليًا، بينما جرى تهميش أفريقيا. ومن ثم، تحولت الخريطة إلى أداة ضمن أدوات تشكيل الهيمنة الثقافية والسياسية.
محاولات لتصحيح الصورة
مع تزايد النقد في العقود الأخيرة، ظهرت محاولات لتقديم خرائط أكثر إنصافًا. من أبرزها إسقاط غال-بيترز (Gall-Peters)، الذي يسعى لإظهار المساحات بدقة أكبر، حتى وإن كان على حساب الشكل النسبي للدول. هذه الخرائط كشفت لنا الفارق المذهل بين الواقع وما اعتدنا أن نراه، وأعادت الاعتبار إلى أفريقيا باعتبارها قارة ضخمة تمتلك موارد بشرية وطبيعية هائلة.
لكن رغم ذلك، ما تزال خريطة مركاتور هي الأكثر انتشارًا في المدارس والخرائط الرقمية مثل خرائط غوغل، مما يرسخ الصور النمطية ويؤجل تصحيح الوعي العام.
لماذا يهمنا الأمر اليوم؟
قد يبدو النقاش حول الخرائط مسألة أكاديمية بحتة، لكنه في الواقع يمس جذور تصورنا للعالم. فالخرائط ليست مجرد أدوات للملاحة، بل هي أيضًا أدوات لإنتاج المعرفة وتشكيل الوعي. إن استمرار استخدام خريطة تقلل من حجم أفريقيا يساهم – حتى من دون قصد – في التقليل من شأنها في المخيلة العالمية.
وبالنظر إلى ما تملكه أفريقيا من ثروات طبيعية هائلة، وموارد بشرية شابة، ومستقبل اقتصادي واعد، يصبح من الضروري إعادة رسم الصورة الذهنية عنها بما يعكس حقيقتها لا ما ورثناه من تحيّزات تاريخية.
خاتمة
الخريطة ليست مجرد خطوط وألوان، بل هي انعكاس لطريقة رؤيتنا للعالم. ولأن صورة أفريقيا قد شُوّهت لقرون عبر خريطة مركاتور، فإن إعادة الاعتبار لحجمها الحقيقي تمثل خطوة رمزية لكنها مهمة في تصحيح التاريخ والوعي.
أفريقيا ليست صغيرة كما صوّرتها الخرائط، بل قارة شاسعة وثريّة تستحق أن تُرى على حقيقتها، لا من خلال عدسات الماضي المضللة.




تعليقات