أكذوبة السكر التراكمي".. هل نحن أمام كشف طبي جديد أم مخاطرة بالحياة؟
- khaled A.
- قبل 20 ساعة
- 2 دقيقة قراءة

في الآونة الأخيرة ظهر طبيب يشرح معلومات طبية للعامة بصراحة اقل ما يقال عنها انها باسلوب كارثي و من اكثر هذه الفيديوهات كارثية فيديو بعنوان "أكذوبة السكر التراكمي"، يظهر فيه الطبيب يتحدث بثقة كبيرة، مدعياً أن كل ما نعرفه عن مرض السكري هو خطأ، وأن ارتفاع السكر في الدم مفيد للصحة، وأن الأنسولين هو الذي يسبب الغرغرينا وليس السكر نفسه!
كطبيب استشاري قضى سنوات في أقسام العناية المركزة وعلاج مضاعفات السكري، أجد لزاماً عليّ أن أوضح الحقائق بأسلوب بسيط، لأن تصديق هذه الادعاءات قد يكلف البعض حياتهم حرفياً. دعونا نحلل "اللغز" الذي طرحه الفيديو ونكتشف أين الخدعة.
1. لغز "الباب والمفتاح".. كيف يدخل السكر للخلايا؟
الحجة الرئيسية في الفيديو تقول: "إذا كان مريض السكر ليس لديه أنسولين ليدخل السكر للخلايا، فكيف يدخل السكر لكرات الدم الحمراء ويرفع التحليل التراكمي؟ هذا تناقض!".
الحقيقة ببساطة: جسمك ليس غرفة واحدة، بل هو "قصر" به غرف مختلفة، ولكل غرفة نظام أمان مختلف:
غرف مغلقة (العضلات والدهون): هذه الغرف أبوابها مغلقة وتحتاج إلى "مفتاح" اسمه الأنسولين. إذا ضاع المفتاح (نقص الأنسولين) أو "علق" في القفل (مقاومة الأنسولين)، لن يدخل السكر وسيبقى في الدم.
غرف مفتوحة (كرات الدم الحمراء، المخ، الكلى): هذه الغرف أبوابها "مفتوحة دائماً" ولا تحتاج لمفتاح الأنسولين. السكر يدخلها بحرية تامة حسب كميته في الدم.
ماذا يعني هذا؟ عندما يرتفع السكر في الدم لأن "أبواب العضلات" مغلقة، يفيض السكر ويدخل بكميات هائلة إلى "الغرف المفتوحة" مثل كرات الدم الحمراء. لذلك يرتفع السكر التراكمي. هذا ليس تناقضاً علمياً، بل هو دليل على أن السكر تكدس في الدم ودخل بكثافة للأماكن التي لا تملك حماية الأنسولين.
2. هل السكر العالي صديق أم عدو؟ (خدعة "الكراميل")
يدعي الفيديو أن السكر العالي يغذي المخ ولا يضر، وأن الجسم يرفعه لأنه يحتاجه.
الحقيقة: تخيل أنك سكبت قطراً (شربات) سميكاً في أنابيب مياه رفيعة، ماذا سيحدث؟ ستنسد الأنابيب وتتآكل وتصبح لزجة. هذا بالضبط ما يفعله السكر الزائد. عملية تسمى "التسكر" (Glycation) تشبه تحول السكر إلى "كراميل" محروق داخل عروقك. هذه اللزوجة تدمر الشعيرات الدموية الدقيقة في:
العين: فتسبب العمى.
الكلى: فتسبب الفشل الكلوي.
الأعصاب: فتسبب التنميل وفقدان الإحساس.
ارتفاع السكر ليس "تغذية" للمخ، بل هو "سمية" ببطء.
3. من المتهم في "القدم السكري"؟
أخطر ما قيل في الفيديو هو أن الأنسولين هو سبب الغرغرينا لأنه "يجوع الخلايا".
الحقيقة: الغرغرينا تحدث لسببين رئيسيين يسببهما السكر العالي وليس الدواء:
تلف الأعصاب: المريض يفقد الإحساس بقدمه، قد يدوس على مسمار أو يجرح ولا يشعر.
تلف الأوعية الدموية + ضعف المناعة: السكر العالي بيئة مثالية لنمو البكتيريا والجراثيم (البكتيريا تعشق السكر)، وفي نفس الوقت يضعف كرات الدم البيضاء التي تحارب العدوى، ويضيق الشرايين التي توصل الدم للقدم.
الأنسولين هنا هو "المنقذ" الذي يخفض السكر ليوقف وليمة البكتيريا ويعيد قدرة المناعة للعمل.
4. الخلاصة: لا تغامر بصحتك
الطب ليس مؤامرة، والعلم لا يؤخذ من فيديوهات تعتمد على الصوت العالي وخلط الحقائق بأنصاف المعلومات.
السكر التراكمي (HbA1c) هو مؤشر دقيق وصادق لحالة جسمك في الشهور الماضية.
إيقاف الأنسولين لمريض السكر (خاصة النوع الأول) بناءً على مثل هذه الفيديوهات قد يؤدي إلى غيبوبة حموضة كيتونية قاتلة خلال ساعات.
نصيحتي لك: ناقش مخاوفك مع طبيبك المعالج، ولا تجعل جسدك حقلاً لتجارب نظريات لم تثبت صحتها في أي مرجع علمي معتبر.
حفظكم الله وعافاكم.




تعليقات