top of page

الألزهايمر الاجتماعي: تأملات في علاقاتنا الإنسانية المتآكلة

  • صورة الكاتب: khaled A.
    khaled A.
  • 25 سبتمبر
  • 3 دقيقة قراءة
صورة تعبر عن الالزهيمر الاجتماعي. كما اتخيله
صورة تعبر عن الالزهيمر الاجتماعي. كما اتخيله

كما أن مريض الزهايمر يحتفظ أحيانًا بالذكريات القديمة ويمحو الأحداث الجديدة، نجد أن الكثير منّا يعيش نفس التجربة اجتماعيًا. نتذكر أصدقاء الطفولة والمدرسة والجامعة، لكن سرعان ما تُمحى أو تتلاشى العلاقات الأحدث. ليس لأننا فقدنا القدرة على التذكر، بل لأننا فقدنا الرغبة أو الطاقة للحفاظ على الروابط الغير سوية التي تحيا كالطفيليات علي سلامنا النفسي.

عندما نتأمل الوصف المطروح، نجد أنفسنا أمام نمط متكرر يتسم بالدورية القاسية: تكوين علاقات جديدة، ثم تطورها إلى صداقات، ثم تدهورها إلى عداوات، وأخيراً الانتقال لمرحلة جديدة والبدء من جديد. هذا النمط يشبه إلى حد مذهل ما يحدث في حالة الألزهايمر، حيث تتآكل الذكريات الحديثة تدريجياً بينما تبقى الذكريات القديمة محفوظة.

في السياق الاجتماعي، نجد أن الإنسان يحتفظ بعلاقاته القديمة من أيام المدرسة والجامعة - تلك الفترات التكوينية في حياته - بينما تتساقط العلاقات الأحدث واحدة تلو الأخرى، تاركة وراءها إما فراغاً عاطفياً أو ندوباً من العداوات المتراكمة. من الناحية الطبية، الإنسان يحتاج شبكة اجتماعية متوازنة كي يحافظ على صحته النفسية والعقلية. العزلة المفرطة أو تحويل معظم العلاقات إلى صراعات وعداوات يترك أثرًا مشابهاً للضمور العقلي التدريجي. علماء النفس يسمون هذا العزلة الاجتماعية، وهو يزيد من احتمالات القلق والاكتئاب، بل ويرتبط أحيانًا بتسارع أعراض الخرف. الأسباب الجذرية لهذه الظاهرة

1. تغير طبيعة العلاقات مع التقدم في العمر

في المراحل المبكرة من الحياة، تكون العلاقات أكثر بساطة وعفوية. الأطفال والمراهقون يكونون صداقات بناء على التقارب المكاني والاهتمامات المشتركة البسيطة. لكن مع التقدم في العمر، تصبح العلاقات أكثر تعقيداً، محملة بالتوقعات والمصالح والأجندات الشخصية.

2. ضغوط الحياة والمسؤوليات

كلما تقدمنا في العمر، تزداد مسؤولياتنا وضغوطاتنا. الوقت يصبح أكثر ندرة، والطاقة العاطفية تتوزع على جبهات متعددة. هذا يؤثر حتماً على جودة العلاقات الجديدة وقدرتنا على استثمار الوقت والجهد اللازمين لبنائها والحفاظ عليها.

3. التغيرات في القيم والأولويات

مع مرور الوقت، تتبدل قيمنا وأولوياتنا. ما كان مهماً في العشرينات قد يصبح ثانوياً في الأربعينات. هذا التغيير الطبيعي يمكن أن يخلق فجوات بيننا وبين الأشخاص الذين التقينا بهم في مراحل لاحقة من حياتنا.


الألزهايمر الاجتماعي: اختياري أم إجباري؟

النقطة الأكثر إثارة للاهتمام في التأمل المطروح هي التساؤل حول ما إذا كان هذا "الألزهايمر الاجتماعي" اختيارياً أم إجبارياً. الحقيقة أنه مزيج من الاثنين:

الجانب الإجباري

هناك عوامل خارجة عن سيطرتنا تساهم في هذه الظاهرة:

  • التغيرات الاجتماعية والاقتصادية السريعة

  • ضرورات العمل والانتقال الجغرافي

  • تطور التكنولوجيا وتأثيرها على طبيعة التواصل

  • الضغوط النفسية المتزايدة في المجتمعات الحديثة

الجانب الاختياري

في الوقت نفسه، نحن نتخذ خيارات واعية أو غير واعية تساهم في هذا النمط:

  • تفضيل الراحة والأمان على التجديد والمغامرة

  • عدم الاستثمار الكافي في العلاقات الجديدة

  • الحكم المسبق على الآخرين بناء على التجارب السابقة

  • الميل للانطوائية مع التقدم في العمر

التأثيرات النفسية والاجتماعية

هذا النمط من "الألزهايمر الاجتماعي" له تأثيرات عميقة:

على المستوى الفردي

  • شعور متزايد بالوحدة والعزلة

  • فقدان الثقة في قدرتنا على تكوين علاقات جديدة ومستدامة

  • الاعتماد المفرط على الذكريات والعلاقات القديمة

  • تراجع في المهارات الاجتماعية

على المستوى المجتمعي

  • تفكك الروابط الاجتماعية

  • زيادة معدلات الاكتئاب والقلق

  • تراجع التماسك المجتمعي

  • صعوبة في التكيف مع التغيرات الاجتماعية

نحو فهم أعمق

ما يجعل هذا التشبيه قوياً ومؤثراً هو دقته في وصف حالة إنسانية شائعة لكنها نادراً ما تُناقش بهذا الوضوح. كثيرون منا يعيشون هذه التجربة دون أن يجدوا الكلمات المناسبة لوصفها أو فهمها.

الألزهايمر الاجتماعي ليس مجرد ظاهرة فردية، بل انعكاس لتحديات أعمق في طريقة تنظيم مجتمعاتنا الحديثة. السرعة المتزايدة للحياة، التنقل المستمر، التركيز على الإنتاجية على حساب العلاقات الإنسانية - كلها عوامل تساهم في هذه المشكلة.

استراتيجيات للتعامل

رغم قتامة الصورة المطروحة، هناك أمل وإمكانيات للتحسن:

على المستوى الشخصي

  • الوعي بهذا النمط هو الخطوة الأولى نحو تغييره

  • الاستثمار الواعي في العلاقات الجديدة، حتى لو بدت صعبة

  • تعلم مهارات حل النزاعات وإدارة الخلافات بطريقة بناءة

  • ممارسة التسامح والعفو

على المستوى المجتمعي

  • إنشاء مساحات آمنة للتفاعل الاجتماعي

  • التشجيع على الأنشطة الجماعية والتطوعية

  • دعم برامج الصحة النفسية والاجتماعية

  • إعادة تقييم قيم المجتمع لتشمل أهمية العلاقات الإنسانية

خاتمة

الألزهايمر الاجتماعي ظاهرة حقيقية ومؤثرة في حياة كثيرين منا. هذا التشبيه الذي يكشف بوضوح مؤلم عن واقع نعيشه لكننا نادراً ما نعترف به أو نتحدث عنه بصراحة.

لكن الاعتراف بالمشكلة هو أول خطوة نحو الحل. فهم طبيعة هذا "المرض الاجتماعي" يمكن أن يساعدنا على تطوير استراتيجيات للوقاية منه أو التخفيف من آثاره.

في النهاية، العلاقات الإنسانية هي جوهر تجربتنا في هذه الحياة. وإذا كنا نعاني من ألزهايمر اجتماعي، فربما حان الوقت لنبحث عن "علاج" لهذه الحالة - علاج يتمثل في الاستثمار الواعي في علاقاتنا، والسعي للفهم بدلاً من الحكم، وبناء جسور التواصل بدلاً من إحراقها.

إن الذكريات القديمة جميلة ومهمة، لكن الحياة تتطلب منا أيضاً أن نكون قادرين على خلق ذكريات جديدة مع أشخاص جدد. هذا ما يجعلنا بشراً حقيقيين، وليس مجرد أسرى لماضينا أو ضحايا لألزهايمر اجتماعي قد يكون أكثر قابلية للعلاج مما نظن.

 
 
 

تعليقات


شعار الدكتور خالد أبو الدهب

خالد أبو الدهب

  • Instagram
  • Facebook
  • Twitter
  • LinkedIn

©2023 خالد أبو الدهب

bottom of page