الوجه المظلم للذكاء الاصطناعي التكلفة الخفية وعبء الكربون
- khaled A.
- 24 يونيو
- 3 دقيقة قراءة

في خضم الثورة التكنولوجية التي نشهدها، يقف الذكاء الاصطناعي (AI) كقوة دافعة نحو مستقبل أكثر ابتكارًا وكفاءة. من السيارات ذاتية القيادة إلى التشخيصات الطبية الدقيقة، يبدو أن الذكاء الاصطناعي يَعِدُ بحياة أسهل وأكثر ذكاءً. ومع ذلك، وكما هو الحال مع أي تقنية قوية، فإن للذكاء الاصطناعي وجهًا مظلمًا غالبًا ما يتم التغاضي عنه، يتجسد في تحديات أخلاقية واجتماعية، وفي القلب منها، بصمته الكربونية المتنامية.
ما وراء الخوارزميات: البصمة الكربونية الخفية للذكاء الاصطناعي
إن تشغيل أنظمة الذكاء الاصطناعي، وخاصة نماذج التعلم العميق المعقدة، ليس مجرد عملية رقمية بحتة. يتطلب الأمر كميات هائلة من الطاقة، تتركز في أمرين رئيسيين:
* تدريب النماذج: تعد مرحلة تدريب نماذج الذكاء الاصطناعي الأكثر استهلاكًا للطاقة. تحتاج هذه النماذج إلى تحليل كميات هائلة من البيانات، غالبًا ما تصل إلى تيرابايتات أو حتى بيتابايتات، لتعلم الأنماط واتخاذ القرارات. تتطلب هذه العملية ساعات أو حتى أيامًا من العمل المتواصل على آلاف من وحدات معالجة الرسوميات (GPUs) عالية الأداء في مراكز البيانات. كلما كان النموذج أكبر وأكثر تعقيدًا، زادت كمية البيانات التي يحتاجها للتدريب، وبالتالي زاد استهلاكه للطاقة.
* التشغيل والاستدلال: حتى بعد التدريب، تتطلب نماذج الذكاء الاصطناعي طاقة لتشغيلها والاستدلال (inference)، أي استخدامها لاتخاذ قرارات أو إنتاج مخرجات. على الرغم من أن هذا الاستهلاك أقل من مرحلة التدريب، إلا أنه يتراكم بسرعة نظرًا للاستخدام المستمر والمتزايد للذكاء الاصطناعي في مختلف التطبيقات.
تترجم هذه المتطلبات الهائلة للطاقة إلى انبعاثات كربونية كبيرة. تعتمد مراكز البيانات التي تستضيف هذه العمليات بشكل كبير على مصادر الطاقة التقليدية مثل الفحم والغاز الطبيعي، مما يساهم بشكل مباشر في زيادة غازات الاحتباس الحراري.
الذكاء الاصطناعي مقابل بحث جوجل: مقارنة في الانبعاثات الكربونية
لتقريب الصورة، قد يكون من المفيد مقارنة البصمة الكربونية للذكاء الاصطناعي بمثال مألوف مثل بحث جوجل:
* بحث جوجل: تُعتبر عملية البحث الواحدة على جوجل فعالة للغاية من حيث استهلاك الطاقة. بفضل التحسينات المستمرة في خوارزميات البحث وتصميم مراكز البيانات، تقدر جوجل أن البحث الواحد يستهلك طاقة تعادل تشغيل مصباح كهربائي لمدة بضع ثوانٍ فقط. هذا يعني أن الانبعاث الكربوني الناتج عن بحث واحد ضئيل للغاية. يعود الفضل في ذلك إلى البنية التحتية المتطورة لجوجل واستثماراتها الكبيرة في الطاقة المتجددة لمراكز بياناتها.
* الذكاء الاصطناعي (خاصة التدريب): على النقيض، يمكن أن تكون البصمة الكربونية لتدريب نموذج ذكاء اصطناعي معقد هائلة. تشير بعض الدراسات إلى أن تدريب نموذج لغة كبير (مثل GPT-3) يمكن أن ينتج عنه انبعاثات كربونية تعادل تلك الناتجة عن قيادة سيارة لملايين الأميال، أو ما يعادل الانبعاثات الكربونية الناتجة عن خمس سيارات مدى حياتها. هذا الرقم صادم ويعكس حجم الطاقة المطلوب لعمليات الحوسبة المكثفة.
لماذا هذا الاختلاف الكبير؟
يكمن الفرق الجوهري في طبيعة العمليات:
* البحث: هو عملية استرجاع معلومات قائمة على فهارس وبيانات منظمة مسبقًا. على الرغم من أن الفهرسة تتطلب طاقة، إلا أن عملية البحث نفسها سريعة ومحسّنة للغاية.
* تدريب الذكاء الاصطناعي: هو عملية "تعلم" من الصفر أو من نماذج سابقة، تتضمن مليارات أو تريليونات من العمليات الحسابية المتكررة والمكثفة لضبط المعاملات واكتشاف الأنماط. هذه العملية هي ما يستهلك الجزء الأكبر من الطاقة.
التحديات والمخاوف المستقبلية
مع التوسع الهائل في تطبيقات الذكاء الاصطناعي، تزداد المخاوف بشأن بصمته الكربونية:
* سباق التسليح في الذكاء الاصطناعي: تتسابق الشركات والمؤسسات لتطوير نماذج ذكاء اصطناعي أكبر وأكثر قوة. هذا السباق يؤدي إلى زيادة مطردة في متطلبات الحوسبة والطاقة.
* انتشار الاستخدام: مع دمج الذكاء الاصطناعي في كل جانب من جوانب حياتنا، من الهواتف الذكية إلى المدن الذكية، سيزداد الاستهلاك الكلي للطاقة بشكل كبير.
* نقص الشفافية: غالبًا ما تفتقر الشركات التي تطور الذكاء الاصطناعي إلى الشفافية بشأن كمية الطاقة التي تستهلكها نماذجها والانبعاثات الناتجة عنها، مما يجعل من الصعب تقييم الأثر البيئي الفعلي.
الخاتمة: نحو ذكاء اصطناعي مستدام
إن الاعتراف بالجوانب السلبية للذكاء الاصطناعي، وخاصة بصمته الكربونية، هو الخطوة الأولى نحو معالجتها. لا يعني ذلك التخلي عن هذه التقنية الواعدة، بل يعني السعي نحو تطوير ذكاء اصطناعي أكثر استدامة. يتطلب ذلك:
* البحث والتطوير في نماذج أكثر كفاءة: تطوير خوارزميات ونماذج تتطلب طاقة أقل للتدريب والتشغيل.
* الاستثمار في الطاقة المتجددة: تحويل مراكز البيانات لتعتمد بشكل كامل على مصادر الطاقة المتجددة والنظيفة.
* تحسين البنية التحتية: تصميم مراكز بيانات أكثر كفاءة في استخدام الطاقة.
* زيادة الوعي والشفافية: تشجيع الشركات على الكشف عن بصمتها الكربونية والعمل على تقليلها.
* التفكير النقدي في التطبيقات: تقييم ما إذا كانت كل تطبيقات الذكاء الاصطناعي الممكنة ضرورية وتبرر استهلاكها للطاقة.
إن الذكاء الاصطناعي يمتلك القدرة على حل العديد من التحديات العالمية، بما في ذلك أزمة المناخ. لكن لتحقيق ذلك، يجب علينا أولاً أن نضمن أن تطوره ونشره لا يضيفان عبئًا أكبر على كوكبنا. المستقبل المستدام للذكاء الاصطناعي يكمن في الموازنة بين الابتكار والمسؤولية البيئية.
Commenti